نبذة يسيرة عن الشيخ عمر الفاروق رحمة الله عليه

نبذة يسيرة عن الشيخ عمر الفاروق رحمة الله عليه.

اعرف انني لست احسن من يكتب عن الشيخ عمر الفاروق، فانما يكتب الكبير عن الكبير، ولكن طلب مني الكتابة، فاضطررت الى الإجابة على غرار مكره أخاك لا بطل، ولا اكتمكم حيرتي في الامر، ولم ادر من اين أبداً والى اين انتهي، وكنت متهيبا في الكتابة عن الشيخ عمر الفاروق، وكأنني امام بحر عاصف متلاطم الامواج لا أحسن السباحة فيها، وكنت كمن يقدم رجلا ويؤخر اخرى خوفا من الغرق في بحر الشيخ الزاخر، ولكنني توكلت واستخرت، وقلت في نفسي: فان انا لم أوفق في الكتابة، فلا اقل من حصولي على شرف محاولة الكتابة عن عالم جليل مثل السيخ عمر.

ومما يزيد من خوفى وتهيبي انني كنت اود ان ألقى الشيخ عمر، ولكن الله لم يقدر ذلك ، فكنت طالبا مشغولا في الدراسة والتحصيل، عند ما كان الشيخ عالما وداعية، ذاع صيته في الافاق، وجرى ذكره في كل لسان، وصار اسمه اشهر من نار على علم، يطوف مشارق الارض ومغاربها، وينثر الدرر، وينشر الدعوة، ويلقي المحاضرات. ولما انهيت دراستي يمّمت وجهي شطر الغرب، وقد صادف ذلك والشيخ عمر أنهى جولاته وصولاته في بلاد الغرب، ويمّم وجهه شطر الشرق، مقيما في بلاد الحجاز، مواصلا منها جهاده وكفاحه حتى لقي فيها ربه، وهو مرابط على ثغر الدعوة دون كلل او ملل.

فالشيخ عمر من اسرة حسنية مشهورة بالعلم ونشر الدعوة الاسلامية، ولم يكن لها رأسمال غير رأسمال الدين، ولم يكن لها حرفة ما عدا حرفة العلم تعلما وتعليما، وهو من عائلة عريقة توارثت العلم ابا عن جد، فرضع لبان العلم صغيرا، وتربى في ببت علم وفضل، وتعلم كثيرا من فنون العلم على أيدى اخوانه وأعمامه وأخواله، فعلاقته بالعلم علاقة متينة بدأت من المهد في بيت أسرته، فكأنه والعلم كما قال الأعشى:
رضيعي لبان ثدي أم تقاسما … بأسحم داج عوض لا نتفرق
ولا زال ينهل من العلوم حتى نبغ وتصدر وبلغ الذرى في كثير من فنون العلم.

وعلى الرغم من ان الشيخ عمر كان يعرف فنونا مختلفة من علوم عصره من الفقه واللغة والحديث والتفسير الا ان شهرته كانت في التفسير، وكان من فضل الله عليه ان اسمه صار مقرونا بكتاب الله، وكلما ذكر الشيخ عمر ذكر تفسيره كتاب الله، وتلك منقبة عظيمة يؤتيه الله من يشأ من عباده. ولقد كان بارعا في تفسير القران، ووضع لنفسه منهجا واضحا يفهمه العامة ويستفيد منه الخاصة، وقد كان الناس يرون التفسير قبله مغلقا ابوابه، صعبا فهمه، عسيرا استيعابه، فجاء الشبخ عمر، ففتح الإغلاق، وذلّل الصعاب ويسّر العسير، كما اراده الله ( ولقد يسرنا القران للذكر)، حتى صار التفسير على يديه ماء سائغاً زلالا، ينهل منه العامة كما يرتوى منه العلماء، فكان ذلك فتحا مبينا، وفقه الله للشيخ عمر، ولقي تفسيره قبولا حسنا، وشاع ذكره، وسارت به الركبان، واقتنىاه الناس، وتداولوا تسجيلاته التي كان لها دوّى كدويّ النحل فى ببت كل صومالي يهتم بالقران ويتعاهد كلام الله.

فمالسرّ وراء هذا القبول الواسع والانتشار الذائع لتفسير الشيخ عمر؟ فهناك اسباب ذكرها بعض العلماء الافاضل قبلي، ومن أهمها كما ذكر الشيخ على وجيز ما منّه الله به على الشيخ من حسن البيان وفصاحة اللسان، فقد وهب الله للشيخ لسانا فصيحا وبيانا ناصعا، متكأ على ثروة لغوية وأدبية واسعة، ومعرفة بلهجات القبائل وأعرافها المتنوعة وعاداتها المختلفة، فكان يوظف هذه المعرفة الواسعة في إيصال رسالته الى من يخاطبه من الناس بمختلف خلفياتهم، ويجد كل احد ضالته في خطاب الشيخ فترتاح نفسه ويطمئن قلبه.

وميزة ثانية لاحظتها في تفسير الشيخ هي ان تفسيره لم يكن يبالغ في الإطناب والشرح والتتبع في التدقيقات اللغوية والبلاغية حتى لا يملّ العامة، ولم يكن كذلك يغالي في الإيجاز حتى لا يسام منه الخاصة، وانما كان يسلك طريق وسطا، ويعمد الى معنى الآية فيجليها جلاء واضحا، ويورد احيانا كثيرة ما ورد في القران مما يشبه او يقارب معنى هذه الآية. وهناك ميزة اخرى مهمة تظهر واصحا لمن يتأمل في كلام هذا السيخ وذلك الحكمة الفياضة والعقل الراجح، ومن الناس من يعطيه العلم ولكن ليس لديه حظ وافر من العقل والحكمة، ومنهم من يكون علمه ارجح من عقله، ومن بكون عقله اكثر من علمه، ولكن الله جمع للشيخ عمر علما غزيرا وعقلا راجحا، وظهر هذا العلم وهذا العقل في تفسيره للقران وفي دعوته للناس وفي اصلاحه بين الفرقاء وفي كل ما يتصل من شان من شئونه.

ومع ان الشيخ كان من رموز الدعوة السلفية في الصومال الا انه كان في فتاويه الفقهية يرجع الى تكوينه الفقهي الأصيل؛ حيث كان يعرض الاحكام، ويناقشها ويقلبها على اوجهها المختلفة، ويذكر الخلاف في المسالة، ثم يوازن بين الأدلة، ويرجح ما ترجح لديه بعد سبر وغور في بطون المسالة، فهو ليس من جيل الشباب السلفيين الذين لم يتدرجوا في مراتب العلم، وبدأوا العلم في دراسة كتب الأحاديث، فنتج من ذلك فوضى عارمة في العلم، وفتنة دينية عمياء في الفتاوي التي لا نزال نعيش اثارها السلبية الى يومنا هذا. اما في عقيدته فكان سلفيا مخلصا لسلفيته، يدعو اليها وينشرها في دروسه ومحاضراته.

والدي الشيخ عبدالله شافعي -حفظه الله – يحب الشيخ عمر وتفسيره، ولما زرته في مقديشو عام ٢٠١٦ رايته يستمع الى تفسير الشيخ بعد صلاة الصبح، وكان يقول لي: هل تستطيع ان تفسر القران مثل الشيخ عمر؟ فأقول له: ومن ذا يقدر على ذلك؟ ثم اقول له؛ يا ابي، انني متخصص في اللغة والأدب وليس في التفسير، فكنت ارى التحسر والتأسف على وجهه وهو يقول لي: وهل اللغة والأدب علم يا بني؟ العلم – يا بني – هو كتاب الله، وما عدا ذلك فليس الا كلام في كلام. وكنت اشعر ان حب والدي لشيخ عمر ليس مقصورا على حبه لعلمه وتفسيره فحسب، وانما يعضده حب انتمائهما لشجرة واحدة وهي الشجرة الحسنية، فكان يرى في نبوغ الشيخ اعتزازا للاسرة الحسنية، وتأكيدا لما اشتهرت به من العلم، ووصلا لهذا الحبل المديد الذي توارثته العائلة جيلا عن جيل، وان كان هذا الحبل يضعف تارة ويشتد تارة اخرى، ولعل والدي كان يشعر ان هذا الحبل قد بدأ يلين في السنين الاخيرة، فربما كان فرحه بالشيخ عمر ممزوجا بهذه العاطفة الحسنية، مستبشرا خيرا ويرى فيه ان الحبل لم ينقطع بعد ولا يزال على خير.

لم يكن الشيخ عمر -رحمة الله عليه- عالما دينيا يعكف في المساجد فحسب، وانما كان مصلحا اجتماعياً يهتم بامور مجتمعه، فكان من ذلك رحلاته الى بلاد الغرب لترشيد الصوماليين المغتربين، وترك له بصمات واضحة وأيادي بيضاء في حياة الجاليات الصومالية المهاجرة للغرب تعليما وترشيدا، وتأسيساً للمراكز، وإصلاحاً للفرقاء. ثم كان له دوره المشهود في مؤتمر عرتة عام ٢٠٠٠، وقد أبلي الشيخ بلاء حسنا في هذا الموتمر، وكان قدوة حسنة للعالم الذي يهتم بامر أمته، ولا يقعد في محرابه، معتزلا عن هموم مجتمعه، يقابل وفود القبائل، ويجلس معهم ويعظهم ويرشدهم، ويصالح فيما بينهم، وكان ذلك الموتمر البدرة الاولى لإنبات شجرة الدولة الصومالية التى أذرتها الرياح شذر مذر في الافاق. ولم يكن الشيخ في السياسة سلفيا مدخليا يرى الطاعة المطلقة لولي الامر، ولا سلفيا جهاديا يؤمن بالخروج المسلح على المحتمع، وانما كان يرى أهمية الاتصال بالحكام لنصحهم وحضهم على أهمية توحيد الامة، والعمل على انتشالها من الوهدة السحيقة التى هوت فيها، ودوره في مؤتمر عرتا وجولاته المكوكية في الغرب دلايل واضحة شاهدة على ذلك.

تلك نبذة يسيرة عن عالم وهب حياته للعلم والدعوة والإسلام، وهذا غيض من فيض، وما كتبناه ليس الا جهد المقل، لا يفي غرضا ولا يروّي غليلا، وانما مثلنا كمثل من لا يعرف الرماية فاضطرّ الى الرمى، فرمى ما عنده، ولا يدري أأصاب ام اخطا.

عبدالواحد عبدالله شافعي.

Share This:

Leave Your Comments

Your email address will not be published. Required fields are marked *

© Copyright 2024, All Rights Reserved